دخ ــون

تَعـَبت ْ أنْزف ْ جِـراحي {حـبر } وأدور للألــم ْ / أسْـبـَاب ْ /

هنا شعر ٌ بنكهة عمانيه
سلسله متتابعه / 4
الشاعر
/ أحمد الشحي
*
*
جيت ألِمّك يا كرامه لا يغرّر بك ضحى مـا لـه أمـان
جيت ألِمّك عن دروب اللامعين أصحابي.. نْجوم الضحى

إيه يا الشمعه الوحيده اللي بقت متعلّقـه فـي الشمعـدان
طاحت نجوم وسلالم عن وجوه البعض.. والبعض انتحىَ!

يا العجوز اللي يراودها الزمان الطاحـن بْشـورٍ جبـان
أشهد إن اللّي يبي يطحن عروقك في رغيفه.. ما استحى

يطحنك جور الزمان ويستريح.. ويطحنك ظلم الزمـان..
ويستريح.. ويطحنك غدر الزمان.. وينكسر سن الرحـى!

عشتي يا بخت القصيد البارد المعصور عن علبة دخـان
يا الذي لو طحتي إنتي طاحت أبعاده الثلاثه.. وانمحـى!!



إذا كان هناك ما يمكن أن يقال عن الشاعر أحمد الشحي فلن أجد أوفى مما قاله جمال الشقصي وحمد الخروصي عنه،
لذا سأترككم هنا مع هولاء العمالقة الثلاثه .
يقول جمال الشقصي:
::منذ زمن.. وهذا الرجل متورط بشمس الإنسانية، ومنذ زمن أبعد وهو شاعر يتمرجح فوق ألواح الوجود، وينسلّ كـ عطارٍ قديمٍ بمقدوره اختراق الخراب فوق رماد الطين، ليصلح ما فوق الطين وما كان تحته من خراب:


ويبذل جهده العطّار فيما عـاث فيـه الدهـر
ولكن الخراب أكبر من انّـه يصلحـه عطـار

وفي نفس السؤال اللي تعوّدناه نكذب جهـر..
ماشي الحال؟.. والحال الذي يمشي بنا منهار!!

: هكذا يظهر العماني أحمد الشحي من قرص الشمس قادماً إلى ركام الصقيع، يترك المشاعل والأتاريك والحطب عند المداخل دون حاجته للأجر المكتسب، فتظهر المدينة بقدومه مهللة بالورد وفساتين العذارى ومراييل الأطفال.. تظهر القرى بقدوم أحمد الشحي من إسمنتها المجانيّ الحديث، وتتعرى حدّ الطين والطوب والأفلاج، لتشهر القصيدة رايةً مجيدة من النخيل وآبار الحيّ القديم

الوحْدَه أقْسَى من قُمَر مَحْرُوم مِن نِعْمَة ضِيَاه
أعْمَى .. يِفتََّش في جيُوب الشَمْس عن قِطعَة جَلِيد!
.
تِمُرَّه أسْرَاب الـسِحَاب .. ويـحْلـمَ بْطَعـم الـمِيَاه
يَسْرد الـرَغْبَة كِتَابـه .. وابْسَط آلامَه قِصـــيد
.
الــوحْدَة انْسَانٍ يِفَاضِل بـــين مُوتَه أو عَيَاه !
مِن كِثِر مِحــتَاج كِلْمَه .. طَبْطَبَه .. تَمْسِيـــدَة إيـد
.
يِنَامْ لأجْل أنَّه يِعِيـــــش أحْلامَه ال عَاشَتْ ويَاه
ويْعِيـــش لاجْل انَّه يَنَام ويِحْلَم بْعُمــرٍ جِديــد
.
وْيـصِبـر فَضْفَاض ومُخَاتِل وَقْتَهَا مَعنَى الحَيَاه
مِثْل الــسِريـر الـمُزدوج .. يِنَام بَه شَخْصٍ وَحِيـد
/


من المفخرة أن تجد المرحلة شاعراً يتشكل على انفراد، شاعر لم يتمحور عن جيل بعينه ولن يتأدلج به، وإنما جاء نتاجاً لتراكماتٍ معرفية هائلة اكتسبها بيديه وتشبث بها رغماً عن أنف انهزامية تيار الشعر من حوله. شاعر ينهض بالقصيدة وهو الذي لم يعرف يوماً الجسر المؤدي إلى الساحة. هكذا يأتي أحمد الشحي من مدن الغياب، ويجلس على تلّ الزمان بثوبه الأبيض النظيف، يشعل سيجارة التنفس الطبيعي مراقباً طوابير الوجوه وهي تزدحم مخنوقةً عند باب الشعر. يكتب أحمد الشحي القصيدة بمنتهى الهدوء، وهو يجهل عكس بني جيله رصف الكلِم على الكلام كما هو سائد كثيراً من حوله خلال الزمن الآنيّ، ولا يتقن الشحي ملأ الفراغ لأنه من الأساس لم يستوِ إليه سبيلاً مذ ولد الشعر في كينونته.
/
َقِّفِي .. صِرنَا عَلى وَجْه الطلُـوع
آخِر المِشْـوَار .. قَـرًّبْ يِبْتِـدي
.
مَالِي بَعْد الخَطْوَه الأولَى رجُوع ..
واللقَا .. فِي رَحْمِة الحَّظ الرِدي ..
.
فِي يِدِي وَردَه .. وبِعْيُونِي دِمُـوع
دونِك إخْتَاري : عِيُونِي أو يِدِي ؟!!
/


حين نقول بأن أحمد الشحي هو شاعر المرحلة فإننا نشير إلى القضية لديه في هذا الصدد.. الشحي الذي أخذ الإنسان على عاتقه رمزاً للتجريب، وفتش في جيوب الزمن عن مفاتيح خلاص المرء الضعيف المأسور في ضعفه، وأوجد للتراب قيمةً لم يكن لتمسك السهول والهضاب والسواحل بعملتها في زمن اختلاط مفهوم الجغرافيّة بوجهة الجهات. إن أحمد الشحي متمرد على كل أغلال التضاد التي قد تتجرأ إقحامه عنوة في حبس الممنوع من الصرف، ومنذها وهو الممدٌّد بقرارِه الشخصي على ظل سدرة الوادي الصخري، ولكنه ظل منصتاً في حنايا القصيدة لصوت دبيب نملةٍ عند باب جاره الغلبان قرابة الساحل!


نُويت أَهْدِر دَمْ الأعْرَاف ، واطْلَع من غُرُوب الشَرق
واعِيش بْعُمْرِي البَاقي على ما تَقْضِي أعْرَافِي
.
واحَطِّمْهَا تَقَالِيدٍ جَنَت فِينا بَلَيَّا رِفْـق
وعَادَات العَمَى والجَهْل .. وانْكِر مَبْـدَأ أسْلافِي !!
.
واسَافِر :: والسُفَر عَتْمَه ، وابَتْحَدّى الهَوَى والبَـرق
وبَرْمِي في البَحَر شِرْعي .. وأكَسِّر فيه مِجْذافي
.
سُوَا .. إنْ جَاد لي حَظِّي وإنْ مَا جَاد .. مَابَه فَـرْق
بين المَيِّتْ المِنْعِـل .. وبيـن المَيِّـتْ الحَافـي !!
/

وحتى أحمد الشحي عمد إلى تخليص الوطن من حدوده الجغرافية الضيقة، وأهداه قيمة الفكرة والتشكل الذاتي، وهي الفكرة التي لم تعد ذات وقعٍ بين أولي الشهرة من الشعراء. كفى أنه عرِف كي يختصر علينا أضخم مسافات التجريب في بيتٍ واحدٍ يقول فيه:


أنا يا صاحبي شاعر.. ولكن خـارج الأعـراف
على صدْر الشعِر.. ما لي مع أرباب الشعِر مقعد!

(

)


يقول حمد الخروصي عن تجربة أحمد الشحي الشعريه :

وللحكم على تجربة الشاعر أحمد الشحي فنحن لا نحتاج سوى تحليل بعض الأبيات الشعرية ، ومحاولة تفكيك صورها وأفكارها ومن ثمّ تركيبها من جديد ، وما بين التفكيك والتركيب سينطق النص بلغة أخرى لم تكن ربما مفهومة للبعض أو متوقعة ، وهذه اللغة الجديدة هي ترجمة لذائقة صاحب هذه القراءة المتواضعة والذي يحاول إكتشاف البعد الفلسفي الجمالي في نصوص الشحي وذلك : (ببذل بعض الجهد الاستيضاحي في عملية الوعي حول صورة معينة قدمها الشاعر ومحاولة الإتصال مع الوعي المبدع لهذا الشاعر)(إذا كان من طبيعة الرمز التشكل الدائم والتحوّل وعدم التطابق مع الامتناهي من المواضيع والأفكار المجردة) ، فمثلا الشمس كرمز والحرية كمطلق ، والنخلة كرمز والوطن كمطلق ، فالشمس لا تتطابق مع الحرية إلا في كونها نور يشق الظلام ، والنخلة لا تتطابق مع الوطن إلا في كونها تحتاج لمكانٍ ثابت لتمد فيه عروقها. إن إستخدام الرمز بفكر فلسفي مبدع نستطيع أن نكتشفه في هذا البيت الشعري ،كنموذج:
.
الوحدة أقسى من قمر محروم من نعمة ضياه
أعمى يفتش في جيوب الشمس عن قطعة جليد
/


( مقتطفات للشاعر)

يَاشَمْس .. مُوتِي ظَلام .. ويَامِسَا زَمْجِر

لا صَار عيبْ الوُِفي .. إنّ الوفَا عيبَه !!
ليه القَدَر جَابِنِي لِلعَالَم المُضجِر ؟!
ليه اللِّيالي رَحِيل و .. هِجْرَه و .. غيبَه ؟
ليه القِريب القِريب .. أبْعَد منَ المَهجَر ..
كِّن الفَرَح لَه ثِمَن مَدفُوع مِن جيبَه ؟!


/

أنَا يَاصَاحِبي شَاعِر .. بِرَغْم أنفْ الحَكِي والقَاف!!
أمُوت بْسَاع لاصَار البقا في يوم للأجْوَد !
.
خَذِيتْ السَالِفَه لاهِي .. وصِرت أشْطَر مِنَ العَرَّاف
وانَا من سِيرَة الشَاعِر .. على بُعْد السَما وابْعَد !!
.
أسُولِف بِالوَدَع .. أحْلَى سُوَالِيفِي مع الأصْداف .
.سُوالِف فارس ٍ مَهزوم يِشْحَذ سيفه المُجْهَد
.
سُوالِف هَامِةٍ يَامَا .. بِكَتْ في قَبْضَة السَيَّاف !
سُوالِف شَعرِةٍ بيضَا .. لِفَتْني صُبْح يوم أسود !

(


لأن الفقر... أكبر من حدود المرجله والاسم
ما يملك يسوع الخبز وامّه مريم العذرا
.
لأنك يا رغيف أصبحت رمزٍ من رموز الحلم
نامت لاجلك عيونٍ تشوف... وتكتب... وتقرا

/

إذا ما جاد لي حظي... وانا كلي شباب وعزم
وش نفع المطر... لا صارت أوراق العمر صفرا؟!
/


أبعثِر بَاطِنْ أقْدَامي .. والِمَّه ..
خطَفْت الدَربْ .. مَدري انَّه خِطَفْنِي
أدَوّر صَاحِبٍ .. لا سَالْ دَمَّه
سِعَفتَه .. واْن نِشَف دَمِّي سِعَفْنِي
لِقِيتْ الصَاحِب اللي جِيتْ يَمَّه
تِمَنَّى في حيَاتَه .. ماعَرَفْني !!
/


نَاعِسَه ؟! واللِّيل في لَحظة قُنوتْ
كحِّلي عِينِك عَلى شُوفَ الأََرَق
نَامَتْ القَريَه .. وفي كِل البيُوتْ
شَمْعِةٍ تِطْفَا .. وعُمْر ٍ يِِنْسِرِق
/


تِقُول اللِّي تِقُول النَّـاس .. مَاهَمِّـي كَلام الخَلْـق
أنَا .. وخْلافِي الطُوفَان .. واللِّي يِشمَت :: خْلافي !!

/

ياصاحبي .. والموت واقف على الباب
ماعاد لي في دنيتي ما أريده
إلا اْن تِسلّم لي على اْعّز الاحباب
الكاس .. وخيوط الفجر .. والقصيدة !!

:

بُقَى لي عُمْر يَا .. شَمّا أدوّر سِكّة إخْوَانِك !!
أسُولِف لِلهَبَايبْ وانتِخِي بِالعَالَم الرمَّه !!

بِآخِر قَطْرةٍ بِالكَاسْ يَسْكِن بيت ( حِيَّانِكْ )
درُوب الصَحْو .. مَاتاخِذ إلِيهْ ولا تِجِي يَمَّه !!

تِخَنْجَرتْ الشَرَف .. دَام الشَرَف مَثْوَاه لاحضانِك
هَلابِك لِيلةٍ حَمْرَا .. وشَرَف غَرقَان في دَمَّه !!

:


بَخْتَ العَمَيْ لاصَار مِثْلِك تِقُودَه ..
يَازهرةٍ تَنْبِت على صَافِيَ الْمَا

يمْنَاكِ في يِِسْرَاه وبكِّل بُرودَه
ويِمْنَاي أنَا .. صَارَت مِن الغِيظ عَسْمَا

لِيتْ الزمَان بيُوم تَصدِق وعُودَه ..
واتْعَب على صَدرك مِن الشُوق واظمَا

لا .. يَا بَعَد عُمْر ٍ تِدَانَت حدوده ..
يَابَدر يَسْنِي في دِيَاجِير ظَلمَا ::

لو كِّل أعمَى مِثلِك اللِّي تِقُوده ..
دعيتْ رَبِّي .. أصْبَح الصُبْح أعمَى !

(


نَامَتْ شُوارع قُرطُبَه تَحْـت إنْدِفَـاع الأحْذِيَـه
إشْرَبْ مَعِي نَخْبَ الحيَاه اللي يِدَاهِمْهَا البُـرود

مَابالوجُود اللي نَبِي .. غِير الوجُوه المُؤذِيَـه
وانْتَه واْنَا يَاصَاحِبِي .. إثْنينْ يَرفُضْنَا الوجُود!!

(


أبَسْفَح دَمِّي بْكِيفِـي وكِـل ٍ حّـر فـي دَمَّـه
أبُوس إيِد الذي بِيدَه يِسَبِّـل بَعـدِي أجْفَانـي

حَيَاةٍ مَابَهَـا رَاحَـه .. حَيَـاةٍ مَالَهـا لَزْمَـه
تِسَاوَتْ والثِقَابْ اللي اْحتَرَق .. مَايحتِرِق ثَاني
(


وَّلْ .. يَامَسْوَد نَهَـار ٍ بَـه تِكـونْ
أوّلْ الشُوفَـه .. لِعِيـن ٍ فَتِّـحَـتْ

لو يِكونْ القُبْح لَـه مِثْلِـك عُيُـون
شَافِتِك .. مِن قُبْحِك الفَّظ ْ إسْتَحَت!!

لا هَلابِك .. لا مَرَاحِب .. لا تِمُونْ..
لَعْن أُبُو عين ٍ عَلى شُوفِك صِحَتْ!

(


ومَّر الشِتَا .. ليلَه وليلَه .. ولاجَال
في خَاطِرك .. إنّ الشِتَا يِنْتِظِر حَّد

وانِّي على شَّط البَحَر مِثْل الاطفَال
أبْني بيُوت الرَمل .. واتعَلَّم العَّد
((


إذا صَار الجِسَد مِنِّي.. وصِرتِي مِنِّـي وفِينِـي
وصَار الكُونْ بِعيُونِي: عُيون ٍ جَايعَه واجْسَـاد


أقُول أَكْتِبْ لِكْ الليلَه.. واقُولْ الليلَـه إعْفِينِـي
أشُوفِكْ خَارج الزَحمَه، وَلكِن.. دَاخِل المِيعَـاد

(

قالت تعاتبني علـى حيلـة الإيـد
باكر زفافي.. وانت لاهي وشارد؟

البيت يمرح فيه صوت الزغاريـد
علام قلبك مثلِج الصدر.. بـارد؟!

باكر يعانقني مثـل حبـلٍ وجيـد
ثوب الزفاف وتحتويني المبـارد

يا بنت.. ما به لزمه نعيد ونزيـد
الهرج ما تقفيه رِجْـل المطـارد

يا بنت.. من يحيا حياة المقاريـد
يحسب حساب إن الشقا أمْر وارد

إنتي وانا في وجه عمْيـا التقاليـد
مثل الطفِل يحيا على صدر مارد!